قال إننا افتقدنا الأثر الفكري والفلسفي للعالم المتصوف الذي سمي الحي باسمه

سعيد العفاسي: لو كان حي سيدي بوجيدة مهيكلا بطريقة حضرية لكان من أهم الأحياء بفاس

الخميس 30 غشت 2012 - 12:05

لماسألت "المغربية" الفنان والناقد التشكيلي سعيد العفاسي عن العلاقة التي تربطه بحي سيدي بوجيدة، أجاب بأنه ترعرع بالمدينة القديمة بحي الحفارين المعروف بحي العشابين ثم درب اجياف، قرب سيدي احمد التجاني، قبل أن يلتحق بحي سيدي بوجيدة الذي يقطنه حاليا.

وتحديدا بجنان الصقلي قرب ضريح سيدي بوجيدة، مضيفا أن ارتباطه قديم بهذا الحي وخاصة بحكم الدلالة التاريخية للعلامة سيدي بوجيدة، الذي سمي الحي باسمه.
وفضل سعيد العفاسي، الفنان التشكيلي الوحيد الذي مثل المغرب في مدينة النجف العراقية بمناسبة احتفائها كعاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2012، (فضل) الحديث عن العلامة سيدي بوجيدة قبل الحديث عن الحي الذي يحمل اسمه، والذي قال عنه إننا افتقدنا الأثر الفكري والفلسفي لهذا العالم المتصوف الذي خلق مجموعة من الدروس المرتبطة بعلم الأصول التي كان يقيمها بجامعة القرويين وهو المتخرج منها، فهو كان كرسيا وعالما متحدثا بها وكان عارفا بعلم الفلك والنحو والحديث، إلى غير ذلك، "لقد عُرف العلامة سيدي بوجيدة بكتابة الطلاسم والجداول، وكان الناس بالمدينة القديمة لفاس إذا وقع شجار بين شخصين، يقولون لأحدهما سير راك ولد سيدي بوجيدة، ويقصد بذلك أن زوجته قد أسكتته بفعل كتابات العلامة سيدي بوجيدة"، بحسب سعيد العفاسي، الذي استحضر هذه المستملحة المتوارثة عن العلامة سيدي بوجيدة.

"أغلب أجزاء هذا الحي هي حديثة العهد، والتي تعود أغلبها إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي عرفت الإرهاصات الأولى لبناء المنازل بالمنطقة، حيث كان التوسع العمراني بشكل عشوائي، ساهمت فيه مجموعة من الأطراف"، حسب ضيف "المغربية"، الذي ذكر أنه لو كانت المنطقة مهيكلة بطريقة علمية وحضرية لكانت الآن تعتبر من أهم المناطق بفاس، لقربها من مخرج فاس في اتجاه سيدي حرازم وتاونات وتازة، ولقربها من لمطة وجبل زلاغ والمدينة القديمة والواد المالح، "للأسف أغلب البنايات التي تأسست داخل منطقة الجنانات بسيدي بوجيدة، كجنان الصفريوي وجنان الصقلي وجنان العلمي، بنيت بشكل غير مهيكل، حتى أن بعض البنايات أصبحت آيلة للسقوط وأخرى يتهددها السور المجاور للواد"، حسب سعيد العفاسي، الذي ذكر أن الفوضى التي عرفها توسع حي سيدي بوجيدة جعلته يعاني ضعف البنية التحتية وغياب المرافق الأساسية، "الآن هناك مسجد كبير في طور الإنجاز بسيدي بوجيدة، إذ كان الحي يعاني غياب مسجد يسع المصلين، وهو ما يعني أن الحي كان يفتقر لهذا المرفق الديني، فبالأحرى الجانب الثقافي، الآن انطلق العمل بجدية لخلق بعض المرافق الأساسية التي يمكن أن تمتص بعضا من شغب الشباب والطفولة"، يقول سعيد العفاسي.

وحسب ضيف "المغربية" فإن البناء العشوائي الذي أقامه الكثير ممن هاجروا من البوادي إلى هذا الحي حول المنطقة إلى بؤرة سوداء، ليس من حيث البناء وحسب، ولكن حتى من حيث السلوكيات اليومية للقاطنين، "هناك تفشي ظاهرة العنف والكلام الساقط، لأنه لا توجد أماكن يذهب إليها الأطفال والشباب لكي يفرغوا مواهبهم، فهم يبقون في الشارع ما يخلق لديهم مجموعة من العادات السيئة، هناك اعتداءات وسرقات وشجار يومي، الصراع القبلي الذي كان في القرية نقل إلى الحي، فلا زالت هناك أسر تتصارع بخلفية قبلية وليس بفكر فردي"، بتعبير الفنان والناقد التشكيلي سعيد العفاسي، الذي صمت قليلا قبل أن يضيف أن حي سيدي بوجيدة عرف، في الثلاث سنوات الأخيرة، بعض الإشارات الإيجابية حيث تم إحداث مجموعة من دور الشباب، وهي الدور التي تم إغلاقها وتحويلها إلى مراكز نسوية، معتبرا أن دار المواطن التي أحدثت بالحي لا تستجيب لحاجيات الشباب والناشئة المبدعة، "عموما الطاقات الإبداعية والشباب المتفوق، سواء في الرياضة أو الفكر، ينقل مواهبه ومعارفه إلى مناطق أخرى، إلى المدينة الجديدة أو إلى دار الشباب البطحاء"، حسب سعيد العفاسي، مدير مهرجان فاس الدولي للفنون التشكيلية، وهو المهرجان الذي وصل دورته 10، واستضاف خلال دورته الأخيرة 18 دولة عربية وأجنبية.

سألت "المغربية" سعيد العفاسي إن كانت هناك أشياء جميلة تميز حي سيدي بوجيدة، فبادر إلى الجواب باستحضار المثل الشعبي القائل "حتى زين ما اخطاتو لولا"، مضيفا، "أنا لا أتحدث عن القبح بشكل عام ولا أتحدث عن الجمال بشكله المطلق"، لقد استفاد الحي من مجموعة من المشاريع المهيكلة، كما هو الشأن بالنسبة للشارع الرئيسي الذي تمت توسعته وصار ثنائي الاتجاه، والذي أعيد احتلاله من طرف أصحاب المقاهي والباعة المتجولين، العقلية هي التي يجب أن تتغير، المواطنون يضطرون إلى المشي جنبا إلى جنب مع السيارات لأن الرصيف تم الترامي عليه بالكامل، حتى دار المواطن المحدثة بجنان بوطاعة التي شكلت مكسبا مهما كفكر إصلاحي جيد، أصبحت أنشطتها تقتصر على الطبخ والحلاقة، فأين هو الشباب، وأين هو المسرح والسينما والندوات الفكرية"، يتساءل سعيد العفاسي، الذي يواصل حديثه بالإشارة إلى غياب الساحات الخضراء، ضاربا مثالا بساحة أنوال التي تمت تهيئتها أخيرا، ولكن بتغطية أرضيتها بالزليج عوض غرسها بالأشجار والورود، مشيرا إلى أن جنان الصقلي الذي يقيم فيه وجنان الورد هما من التجمعات السكنية المهيكلة والقريبة من الشارع الرئيسي، معتبرا المشكل في الهوامش وليس في المحور، كما هو الشأن بالنسبة لجنان القدريين وجنان الصفريوي.

"أنا أعود دائما إلى المدينة القديمة لكي أستنشق عبق التاريخ وأتلمس الطريق إلى الحضارة وإلى الفكر وإلى الثقافة وإلى العلم، لأنني، بكل صراحة أصبحت أجد نفسي غريبا داخل حي سيدي بوجيدة، فكلما تجولت في دروبه إلا ووضعت يدي على جيبي وهاتفي خوفا من السرقة، المطلوب هو إعادة تأهيل مجموعة من المناطق بحي سيدي بوجيدة"، يوضح متحدث "المغربية"، الذي أشار إلى أن الناس الذين يعيشون داخل هوامش سيدي بوجيدة لا يؤمنون بالثقافة بل يؤمنون بلقمة العيش اليومية، "هم بعيدون عن كل ما هو إبداعي، فمجموعة من الأنشطة التي أقيمت داخل الحي انتهت بالنزاعات والصراعات، ولكن لا أنكر أن الحي غني بنخبة متشبعة بالفن والقيم الفكرية التي تغني روح الإنسان"، يقول سعيد العفاسي.

وأشار سعيد العفاسي إلى أنه يجد نفسه في الفن التشكيلي بحكم أنه من خلاله يمكن التعبير بخيالات متعددة، كما يمكن إعطاء العلامة أبعادا كونية، ومن خلال الفن التشكيلي، حسب سعيد العفاسي، يتأتى التواصل مع الآخر، "لأن اللوحة تشكل قيمة معرفية، وبالتالي يمكن للإنجليزي، مثلا، أن يقرأ أعمالي وإن كنت وضعت فيها خطوطا عربية، اللوحة هي هذا العالم الذي يمكن أن يتيح قراءات متعددة ومتنوعة المشارب، ففيها تجد الهندسة والمعمار والواقعية والتجريدي، هناك مجموعة من المدارس التي يمكن لأي متتبع، سواء كان عاديا أو غير عادي، مثقفا أو غير مثقف، أن يجد فيها جزءا من ذاته، هذه الذات التي أتحدث عنها هي الذات المرتبطة بالدلالة والسيميولوجية"، بتعبير، سعيد العفاسي، الفنان والناقد التشكيلي.




تابعونا على فيسبوك